الأحد، 2 مايو 2010

سلو اليومين دول

لا اعرف ما هو سر تلك العبارة التى ارتطم بها بصيغ مختلفة هذه الأيام - "ما هو كله على كده، و انا مش اقل من أى حد ، اشمعنى إحنا اللى ها نشذ عن غيرنا "، حتى أننى صرت لا أتعجب من سماعها حتى كانت القشة التى قسمت ظهر البعير من أم بقسماطة .
و أم بقسماطة هذه ( نسبة إلى حجم ابنها البكرى سائق التوك التوك) قد ورثها احد أقاربنا قدريا مع عمارة بداخل الأمعاء الصغرى لشارع فيصل ومن ثم فهى شديدة الصلة بعائلتنا و كل نسايبها و جيرانها و معارفها و تقوم بزيارتهم جميعا فى الأعياد من باب الاطمئنان عليهم دون اى خدمة تؤديها سوى فرك يديدها و "كل سنة و انتم طيبين" .
آم بقسماطة العظيمة ترفض العمل فى البيوت و ترفض أن تعمل أى من بناتها فى تلك المهنة التى توفر على الأقل فى ست ساعات عمل بحدائق الهرم خمسون جنيها و ربما أكثر. و نظرا لأن أم بقسماطة حياتها كلها أعياد فى أعياد تظهر هذه النعمة على زوجها العاطل و بناتها الثلاث اللاتى تركن التعليم منذ الصغر ليتمخطرن فى الشارع بأحدث الأزياء و الجينزات و الطرح متعددة الطوابق و المساحيق مصرية الصنع و الباديهات الكارينا و الموبايلات الاثنين كاميرا بالإم بى ثرى الحافلة بأغانى نانسى و إليسا و هيفا ليل نهار فى موجة إرسال موجه لشبان الحى . تفترش أم بقسماطة مشنة خضروات تجلس بجوارها صباحا فى حدائق الأهرام لتُعيد يوميا على السكان جيئة و ذهابا و "كل سنة و انتم طيبين" هى هى هئ . و بعد الظهر تقوم بالتخبيط على السكان الذين تغيبوا عن تحية الصباح لأن "قلبها كَلها عليهم و قالها يمكن يكونوا عايزين حاجة" و ربنا يديكم الصحة و هى هى هئ . كما أن هذه السلة تعد المقر الدائم لفرع وكالة رويترز المتشعب ليغطى شبكة علاقاتها المتسعة من أخر الهرم و أخر فيصل و حدائق الهرم الثلاث بوابات ( و هناك خطة طموحة للوصول إلى الشيخ زايد و الربوة بإذن الله ).
و فى أخر زياراتها لنا رسمت ام بقسماطة (بعد ما دست الإكرامية فى صدرها ) فور جلوسها على الأرض على وجهها مزيجا عجيبا مُبهر بالحزن و الحاجة و الحيرة و الشحتفة و الشنهفة التى لها فيهما براءة اختراع بأنها " مش عارفة تروح فين و لا تيجى منين " فعندها بنتين تمت خطبتهما لصبى جزار و استرجى - كلاهما ابن بواب زميل فى المهنة مشهود له بالاحترام و الكفاءة فى المنطشئة. فقلت :
- طب إيه المشكلة ألف مبروك و ما تحمليش هم و إحنا مش ها نسيبك
- ما احملش هم ازاى يا مدام ده الجهاز كَثير ياما
- ايه المطلوب منك بالضبط
- لكل بنت تليفزيون 28 بوصة و طقم صينى و طقم "اركوكال" و طقم تيفال 12 حلة و طقم الامونيا 12 حلة و بوتاجاز كبير من بتاع الإعلانات و انتاريه و التنجيد و لحافين " فِل" و جهازها و شوارها 12 دستة من كل حاجة برانية و "….. " مش صينى ، و حاجة المطبخ ،و مطبخ خشب تفصيل مش اللى بيتباع جاهز ، و ستاير تفصيل مش اللى على بلتكانات عادة ، و السجاد، و النجف مدهب ، و" فرن مكرويفى" و فرن غاز كبير من شارع عبد العزيز ………….
- امال العريس ها يجيب إيه بالصلاة على النبى كده؟
- اوضة النوم ببلاكار و سفرة بنيش و أوضة أطفال و التشطيب بالكرانيش و "السبونش" و تسعين جرام ذهب و ثلاجة و ديب فريزر , و….
بغض النظر عن إعجابى بمدى معرفة أم بقسماطة التى تحيا على كرتونة فى "بدرون" و تحول كل أثاثها الى البلد بهذا الكم من مفردات الديكور الحديثة ، كاد أن يغمى على، خاصة و أن لى صديقات جامعيات يؤسسن منازلهن بأبسط الامكانيات العملية و يستعضن عن الشبكة بطقم ذهب صينى أو "توينز ذهب" :
- تسعين جرام ذهب ، ما هو عشان انتى افتريتى عليه هو مش راحمك من الطلبات
- افتريت إيه ما هو ده سلو اليومين دول ، ده إحنا لو فى البلد كانوا كلوا وشنا ده إحنا شايلين عنه ياما عشان أبوه صاحب مِلك ، طب دى اقل شبكة فى البلد مية و عشرين جم ذهب
- بس ده غلط دول لسة شباب و بناتك ما جهزوش نفسهم زى بنات ام محمد البوابة اللى عندنا كانوا بيشتغلوا و بيجيبوا لنفسهم و بيساعدوا أمهم ، هاتى طقم ست حلل و بسطى الأمور كفاية ثلاجة و بلاش ديب فريزر ، و العريس يجيب اوضة نوم و أوضة الاطفال لما يكرمهم ربنا …الدين و الشرع ما قالوش كده قالوا إن الجواز مودة و الرحمة أنا ما خدتش مهر و لا كتبت مؤخر لنفسى…..
- أما عجايب و الله، فيه إيه يا مدام بقولك سلو اليومين دول ، سلام عليكم.
قاطعتنى باشمئزاز شديد و هى تلملم جلبابها بصفاقة دفعتنى ألا اشرح لها أننى كنت أحاول أن أساعدها فعليا بكلماتى هذه لإتمام الزواج و تبسيط الأمور حتى أتحمل مع العائلة و الأقارب النفقات المنطقية لجهاز البنتين.
و حتى الآن أنا فى حالة حيرة و بحث عن هذا العلامة الجهبذ ناقص العقل و الدين الذى أبدع حكاية "سلو اليومين دول" التى باتت تتسلل فى حياتنا فى تلك الفترة العصيبة من الغلاء و البطالة و التضخم لتفتك بما تبقى لدينا من اتزان اجتماعى و نفسى . و من هو الذى يأكل وش الناس و يحاسبهم إن لم يتبعوا هذا السلو . أما الحيرة الأكبر فهى هل تستحق هذه الفيومية و زوجها صاحب المزاج الرفيع المساعدة آم لا؟

هناك تعليق واحد:

  1. لا تستحق وخليها تخبط دماغها فى الحيط أمثال هؤلاء المتنطيعين لا يستحقون أبدا هناك الكثرين أولى منهم

    ردحذف